في نيسان ابريل من العام 1983، اقتحم "مجهولون" المتحف الاسلامي في القدس، فيما وصف"بالاقتحام الجرىء
والسرقة المهولة"، وسرقت (106) ساعات نادرة وثمينة، تقدر قيمتها بمئات الملايين من الدولارات، ورغم
التحقيقات المكثفة، ووجود مشبوهين – إلاّ أنّ الشرطة لم تتمكن من "فك رموز" هذه السرقة نهائيًا، إلاّ أمس
(الاربعاء). فقد أعلن طاقم التحقيق في القضية انه تمكن من تحديد هوية السارق "البارع"، ومن العثور على نصف
عدد الساعات المسروقة.
واللص الذكي هو، استنادًا الى طاقم التحقيق، نعمان ديلر (ليدور)، من كيبوتس "عين هحورش" الذي تصفه
الشرطة بأنه كان من اكبر اللصوص في اسرائيل في سنوات الستين والسبعين، وتبيّن انه اقتحم المتحف الاسلامي
ونفذ السرقة لوحده، واحتفظ بالمسروقات في خزائن متفرقة في عدد من البنوك الامريكية والاوروبية، إلى ان وافاه
الأجل (مات) قبل حوالي اربع سنوات ، بعد مرض عضال (سرطان).
وعندما كان على فراش الموت، اعترف لزوجته، "نيلي شمرات"،بأنه سرق الساعات النادرة الثمينة، وأورثها لها مع
باقي "أملاكه"، ومن بين الساعات التي سرقها (ليدور) ساعة خاصة بالملكة الفرنسية ماري انطوانيت صمّمها صانع
الساعات الفنان "ابراهام لوي براغا"، وتقدر قيمة الساعة بثلاثين مليون دولار ،ويصفها الخبراء بأنها "موناليزا"
الساعات!
كيف انكشفت السرقة؟!
عندما ارادت ارملة اللص (ليدور) – نيلي شمرات – بيع الساعات المسروقة، حرصت على التكتم على شخصيتها
وهويتها، واوكلت الأمر إلى المحامية "هيلا افرون غباي". وقد اتصلت المحامية بتاجر ساعات من تل ابيب لتستفسر
عن قيمة الساعات (المسروقة)، فسارع التاجر للاتصال بالمسؤولين في المتحف الاسلامي، الذين ذهلوا من وجود
اربعين من الساعات المسروقة لدى "الارملة" بما فيها ساعة "ماري انطوانيت"، وبين أخذ وردّ، تمّ التوصل الى
صفقة استعاد المتحف بموجبها الساعات المسروقة التي بحوزة الأرملة مقابل "تعويضها" بمبلغ (150) الف شيكل
"فقط"!
وفي اعقاب الكشف عن الساعات، شرعت شرطة اسرائيل بتحقيق واسع، شمل دولاً مختلفة، وتمكنت من العثور على
ساعات اضافية مسروقة، في امريكا واوروبا، بالاضافة إلى مسروقات نادرة اخرى من المتحف.
وفيما يصف العالمون بشؤون الشرطة التحقيق في هذه القضية، منذ بدايتها بأنه "فشل ذريع للشرطة ومحققيها"،
تجدر الاشارة إلى أن التحقيق يومها تمحور حول احتمال ان تكون مجموعة من اللصوص، ثلاثة على الأقل، هي التي
نفذت السرقة "بطلب" من هواة جمع الساعات الاثرية القديمة النادرة، وكان المحققون على قناعة بان الساعات
المسروقة قد هُربت الى الخارج، لكن الحقيقة كانت غير ذلك، حيث يتبين الآن انه لا "هواة" ولا "عصابة" ولا
يحزنون- بل أن الفاعل هو شخص واحد، خبأ معظم المسروقات في مخزن في الرملة!
ووصف ضابط كبير في الشرطة"اللص الشارد" بأنه "لص اسطوري" و"شخصية فريدة". وتجدر الاشارة ايضًا إلى
ان الشرطة امتنعت عن مساءلة ادارة المتحف التي عقدت صفقة (غير مشروعة) مع ارملة اللص الراحل، انطلاقًا من
اعتبارات معقولة ويمكن تفهمها من قبل الادارة – كما قال ضابط كبير.
كيف تمت السرقة؟
تمكن اللص (نعمان ليدور) من الدخول الى المتحف عبر نافذة خلفية صغيرة، بواسطة سلّم مصنوع من الحبال
وادوات للاقتحام، ومكث فيه عدة ساعات رغم وجود منظومة انذار وحارس في الخارج. وقد أودع اللص اربعين ساعة
من الساعات المسروقة في خزنات خاصة، في مخزن في الرملة يسمّى "تبوز"("البرتقالة")، وقد وجدت
الشرطة،مؤخرًا، مستندات تدل على ذلك، حيث ان اللص اودع مسروقاته مقابل أجر، طوال سنوات، ويتبين الآن من
خلاصة التحقيقات ان (ليدور) نشط في اللصوصية ليس فقط في اسرائيل، بل كذلك في فرنسا والمانيا وهولندا
وامريكا.
وفي هولندا كشفت الشرطة المحلية، بطلب من شرطة اسرائيل،"كنزًا ثمينًا نادرًا" من المسروقات التي خبأها اللص
الاسرائيلي في خزنة خاصة، من بينها، بالاضافة الى الساعات الثمينة، علب مجوهرات وأختام وادوات لتزييف
جوازات السفر والوثائق، وعشرات الصور الفوتوغرافية للص نفسه، بهيئات مختلفة، لاستعمالها عند الحاجة في
تنقلاته بواسطة جوازات السفر المزيفة، ولم يُعثر على كل المسروقات الثمينة التي خبأها "ليدور"، فنصف عدد
الساعات النادرة ما زالت مخفية، وتنشط الشرطة الاسرائيلية الآن في البحث عن المسروقات الأخرى.